يوم 1 سبتمبر ذكرى قيام الارهابيين الشيشانيين بتخطيط الارهابي شامل بساييف ياحتجاز 1300 رهينة بأوسيتيا الشمالية من اطفال و مدرسي إحدى المدارس الابتدائية .. كان الضحايا بالنهاية اكثر من 320 .. لاحقا تم قتل الارهابي شامل بساييف و الى اليوم هناك من يعتبر الارهاب الشيشاني عمل جهادي بطولي .. لهذا و بهذه المناسبة اعيد نشر التدوينة اليوم ..
بالتأكيد سمعتم عن الشيشان كمأساة إسلامية في وسط آسيا ، حتماً قرأتم ذات يوم عن الإحتلال الروسي لهذا البلد ، ربما تكونوا قد إهتممتم و تعاطفتهم لكن هل هناك أحد ممن يقدمون لكم قصة الشيشان في إعلامنا العربي أخبركم بكل شئ؟ .. هل تعرفون حتى مكانها على الخريطة؟ .. الأهم هل تعرفون لماذا الشيشان لليوم أرض مملوكة للروس تديرها حكومة معينة من موسكو؟ .. و يبقى سؤالنا الأساسي هل تعرفون جريمة الفكر التوحيدي (الوهابي) في الشيشان و مسئوليته الكاملة عن مأساتها إلى اليوم؟
بالعام 1859 إمتلكت روسيا القيصرية أرض الشيشان كغنيمة لها من حربها مع الأتراك العثمانيون منهيةً بهذا حكم طويل لهم عليها و بادئةً لحكم آخر قمع كل حركات التمرد ضدها من زعماء محليين يفكرون في الإستقلال عن الأتراك و الروس معاً لتستمر الأرض خاضعةً لهم حتى تفكك الإمبراطورية القيصرية بعد العام 1917 و إندلاع حرب أهلية في روسيا سهلت لبلاد مثل الشيشان و أرمينيا و جورجيا و أذربيجان الإنفصال الفوري لكن سرعان ما عادت للحكم الروسي في صيغته السوفيتية الجديدة لتتجدد المقاومة خاصةً مع حرص السوفييت على دمج الإقليم الصغير (20 ألف كم) مع أقاليم مجاورة على رأسها إنجوشيا و تمر العقود بثورات لا تحقق النجاح حتى إنهيار السوفييت و الذي جدد الأمل ليعلن طيار سوفيتي شيشاني يدعى جوهر دوداييف إستقلال الشيشان في 6 سبتمبر 1991 و يعزز موقفه بهزيمة القوات الروسية في نوفمبر 1991 لتضطر روسيا للصمت و هي ترى الشيشان تنفصل عن إنغوشيا في 1992 و تعلن نفسها دولة ذات سيادة عام 1993 ، هنا و في افترة بين 1993 و 1994 بدأت ملامح جديدة تطغى فالدول (المسلمة) الصديقة دعمت تيارات دينية سياسية بمالها (البترولي) لإنشاء دولة تحكم بالشريعة الإسلامية في وسط آسيا و بدأ المال و الصوت العالي ينتشران سريعاً وسط تملل الدولة الأم روسيا فهي لا يروق لها خسارة أرض غنية بالثروات و تراقب بقلق هذا المال الكثير و تلك الفكرة العجيبة التي تنتشر حول توحيد وسط آسيا في دولة إسلامية كبرى محكومة بالشريعة و سرعات ما بدأ القل يتحول لخطر شديد مع إنتشار بعض المتطوعين العرب و زيادة المال البترولي لتقرر موسكو الحسم و تبدأ في 11 ديسمبر 1994 حملة عسكرية لإعادة السيطرة على البلاد.
إستمرت الحرب مستعر وسط إنتهاكات بالغة لحقوق الإنسان و إيذاء المدنيين من قبل الروس و تصاعد الغضب الإسلامي بالعالم حتى تحول الأمر لعلاقة طردية فكلما تصاعدت النبا عن المزيد من الجرائم الروسية كلما زادت دفعات المال الممنوحة للشيشانيين من دول بترولية و معها موجة فكرية أسوأ بكثير مما كان موجوداً عام 1991 و ترافق هذا مع تدهور وضع القوات الروسية حتى إضطرت لعقد إتفاق سلام ثانوي في 31 أغسطس مع الشيشانيين ثم أقر بوريس يلستن بالهزيمة و سحب قوات بلاده في 31 ديسمبر 1996 ، هنا أجد دوماً علامة إستفهام كبيرة فالكثير منا لا يعرف أن الروس إنسحبوا من الشيشان عام 1996 و أصبحت الشيشان دولة مستقلة عن روسيا و لم تكن روسيا تلمك سبباً او قدرة على البقاء فلماذا هي اليوم في 2012 هناك بالشيشان ؟! .. هنا يكون الجواب أن الجريمة الوهابية التي تم إرتكابها في الشيشان هي من أعاد الروس للشيشان بدعم دولي و تأييد صريح من الغرب هل تعرفون ما هي هذه الجريمة؟ .. لنرى.
بنهاية الحرب كان الرجل الأقوى في الشيشان هو أصلان مسخادوف أركان حرب جوهر دوداييف و رئيس وزراء نظامه الذي قتل في إبريل 1996 على يد قوات روسية و إستطاع أصلان مسخادوف القومي الاتجاهات مدني الإتجاه السياسي الفوز بمنصب رئيس البلاد المنتخب في يناير 1997 ليواجه الأزمة الكبرى..
كان المال البترولي قد صنع مجرمين حرب يسمون بأمراء الحرب الاسلاميين ممن إعتنقوا الفكر الوهابي بتأثيرات عدة أهمها المال الوفير و كان شامل باسييف و إبن الخطاب أبرز رموز الحركة الوهابية المسلحة و معهم أمراء آخرون مستفيدين من المال الوهابي بدأوا في ممارسة عمليات (جهادية) مثل خطف الأجانب و الابتزاز و قتل المدنيين الشيشانيين و غيرهم لدرجة قيام شامل بساييف أحد أبرز رموزالميليشيات الإسلامية بقتل مدنيين جورجيين عام 1993 و لعب كرة القدم برؤوسهم في ستاد سوخومي الرياضي ! .. فكان الأمر يتصاعد و ينتشر وسط إرتباك في دوائر الدول الصغيرة صنعه نفس التيار الذي حرص على تقسيم البلاد بين قوميين مدنيين و وهابية تدعوا لتحكيم الشريعة بنهجهم الخاص و إعلان الشيشان إمارة إسلامية ، مع إستمرار الإضطرابات و التمويل البترولي لأمراء الحرب الاسلاميين و محاولات إغتيال متعددة لأصلان مسخادوف من قِبل الروس و الإنفصاليين الشيشانيين لم يجد الأخير إلا أن يعلن في منتصف فبراير 1999 عن قواعد (شرعية) للحكم في مقابل حل الميليشيات الإسلامية ووقف العنف و عمليات الاختطاف و تمت إنشاء محاكام (إسلامية) أقرت عقوبات الجلد و الرجم و قطع الأطراف و الأسوأ إغلاق البرلمان الشيشاني بإعتباره سلطه دنيوية ليست إسلامية ، كانت قرارات أصلان خاطئة فلم تتوقف تلك التيارات بل زادت بفعل زيادة الدعم الخارجي لها بحكم أنها نجحت في إجبار أصلان على هذا التغيير بل حدث الأسوأ..
في عام 1998 بفعل المال البترولي تم تأسيس وحدة عسكرية متطرفة عرفت بإسم اللواء الإسلامي الدولي تكونت من داغستانيين و شيشانيين منهم شامل بساييف و إبن الخطاب و أتراك و عرب و روس مسلمين كان هدفها هو طرد الروس من كامل القوقاز و توحيده في بلد (إمارة) إسلامية كبرى و قد كان التمويل (البترولي) داعم لهذا العمل بشدة.
جاء عام 1999 و عدد كبير من الهجمات المتتالية منذ 1998 قد تم تفسيرها فاللواء الإسلامي وهابي الإتجاة قرر غزو داغستان ! .. نعم هكذا بكل بساطة قرر لواء من 2000 مقاتل غزو دولة مجاورة لضمها للحكم الإسلامي الشيشاني و إقامة خلافة إسلامية بالقوقاز ! .. كان هذا الأمر بخلاف عدم تناسقه مع قدرات الشيشان المحدودة يهمل تغيير هام جداً في السلطة الروسية ، بوريس يلستن صحته تتدهور و الحاكم الفعلي هو شخص جديد إسمه فلاديمير بوتين كان يعارض فكرة التمدد الإسلامي بالقوقاز و كان هذا الخطأ لدى مقاتلي الشيشان سبباً رئيسياً إعادة إحتلال الشيشان.
في 4 أغسطس 1999 بدأت ميليشيات إسلامية شيشانية و اللواء الإسلامي الهجوم على الوحدات العسكرية الروسية في داغستان تمهيداً لطردها ثم السيطرة على كل البلاد المجاورة و إقامة الإمارة ! .. بالطبع كان بوتين سعيداً جداً بهذه القرارات فهي جعلته يدفع بيلتسن المريض -بتأثير إعلان الدولة الإسلامية في 10 أغسطس 1999 بين الشيشان و داغستان و سلسلة تفجيرات إستهدفت مدنيين روس في موسكو و ليننجراد بيد ميليشيات وهابية بالشيشان خطط لها شامل بساييف- إلى إقرار مبدأ الهجوم عليهم و تطهير داغستان منهم و كانت الأخبار تأتي بأن أهل داغستان تسلحوا للقتال ضد الشيشانيين بإعتبارهم (وهابيين متطرفين) ! .. كانت القوات الروسية تجد التعاون من أهل داغستان في طرد اللواء الاسلامي أو ما تبقى منه و على رأسهم شامل بساييف إلى الشيشان المنكوبة ، و فعلاً في يوم 26 ُغسطس و بعد الإطمئنان على داغستان بدأ الجيش الروسي عمليات صارمة ضد ميليشيات الشيشان الإسلامية وسط إعلان بوتين عدم مشروعية مسخادوف و نظامه الإسلامي و كون شامل و رفاقه إرهابيين و رفضه لأي خطة سلام و على حد تعبيره ” الشيشان حصلت على فرصتها لعامين و نصف و أهدرتها فتلك مسئولية الشيشان”
لست في حاجة للمزيد..كلنا نعرف الباقي هزيمة منكرة للشيشانيين و فرار الوهابيين و قيام المخابرات الروسية بمطاردتهم و قتلهم جميعاً وسط إستمرار أعمال الارهاب منهم تحت مسمى الجهاد مثل إحتجاز رهائن في مدرسة بإنغوشيا أدت لمقتل 285 منهم و تفجيرات قطارات موسكو و غيرها و من الجانب الآخر لم تتوقف القوات الروسية عن عمليات القتل و الاعتقال و الاغتصاب و تدمير الممتلكات ، قُتل شامل باسييف في 10 يوليو 2006 و قتل بن الخطاب في 20 مارس 2002 و تولت المخابرات الروسية قتل كل المنتمين للنظام السابق بمن فيهم أصلان مسخادوف في 8 مارس 2005 بإعتباره متعاون مع شامل و إبن الخطاب و سليم خان باييف الذي تولي خلفاً لأصلان قتلته المخابرات الروسية في الوحة بقطر في 13 فبراير 2004.
كانت هذه جريمة الوهابية الكبرى ، دولة مثل الشيشان ناشئة و عدوها الكبير روسيا مهزوم و لديها فرصة لصناعة دولة مدنية النهج و النظام و مستقرة بل و بعلاقات جيدة مع روسيا التي أقرت بالعلاقات مع الشيشان لدرجة إستقبال يلستن لأصلان في الكريملين تلك الدولة تتحول لدولة عصابات متطرفة تمارس الخطف و الابتزاز و تضغط لإغلاق البرلمان و القيام بحرب جهادية على الدول المجاورة و ممارسة الجلد و الرجم في الشوارع حتى أعطت لروسيا البوتينية شيئين كانت في حاجة اليهما : أولاً مبرر دولي لغزو ثانٍ للشيشان ، ثانياً توفير دعم غربي/أمريكي لإستمرار الإحتلال فالولايات المتحدة لن تقبل أبداً بدولة متطرفة وهابية جهادية في منطقة القوقاز الغنية بثرواتها المنكوبة بحكمها الغير رشيد ..
تلك قصة الشيشان و جريمة الوهابية !
ملحوظة:
إبن الخطاب أو (خطاب) لقب لشاب سعودي هو سامر صالح السويلم و ليس شيشانياً بل سعودياً كما أسلفت.
للتواصل مع كاتب المقال : https://www.facebook.com/mahmoud.arafat.7503